لا أستطيع النطق أمام الناس والنظر في وجوههم وصرت منعزلا!

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أسأل الله أن يكون هذا الموقع الرائع في ميزان حسناتكم.

بعد الاطلاع على مجموعة من المواضيع الرائعة -شكرا لكم- قلت لنفسي: أكتب عن مشكلتي عسى أن يكون هناك حل بإذن الله.

سوف أسرد لك مشكلتي -يا دكتور- وأتمنى أن تفهمني: أنا طالب 18 سنة، مشكلتي أنني مللت من الحياة بسبب مشاكل عندي في الكلام أو بالأحرى النطق أمام الناس، ليس هذا فقط، ولكن عندما يطالبني الأستاذ بالقراءة؛ أتغير فجأة، فتصيبني رعشة، واحمرار الوجه، وخفقان سريع، وتعرق، واختناق، وبعدها أبدأ بالقراءة، والحروف الأولى من الكلمات لدي صعوبة في نطقها، مثلا لنفترض أن الكلمة هي (أكل) فإني أنطقها بهذه الطريقة (أأأأأأكل) خمس ثوان في الحرف الأول، ويبدأ الأستاذ بمعايرتي ويطردني من القاعة، أما التلاميذ فيستهزئون بي، ويضحكون علي.

مثال آخر: في بداية الحصة أثناء اطلاع الأستاذ على ورقة الغياب، عندما يصل إلى اسمي ينتظر مني أن أقول: حاضر. أنا سمعت اسمي، لكن (حاضر) لا تخرج؛ وكأن شيئاً متوغلاً في حلقي ويمنعني عن التكلم، وعند الكلام يصبح فمي جافا، وأظن أن الجفاف هو السبب!

كل هذا جعلني إنسانا غير اجتماعي، وحيدا لا أحب المناسبات، أو بالأحرى التجمعات بصفة عامة. لا أحب التعرف على أصدقاء؛ حتى لا أقع في هذه المشكلة، وقليل من يفهمني، والبقية يعتقدون أني أتلاعب عليهم.

مشكلة أخرى: لا أستطيع النظر إلى شخص في عينيه، وكلما حاولت رفعها تهبط أوتوماتيكيا، والله -يا دكتور- كل هذه المشاكل جعلتني مريضا عصبيا.

هل حالتي تحتاج إلى علاج دوائي أم ماذا؟ أريد حلا نهائيا -يا دكتور- لحالتي مع أنك ستفهمها بسرعة.

وأتمنى الشفاء للجميع، وشكرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ aymane حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا بهذه الأسئلة، وهي لا شك متعلقة ببعضها.

هناك صعوبة النطق، وهي لا شك متعلقة بالمشكلة الأخرى وهي الخجل أو الارتباك أو الرهاب الاجتماعي.

من الطبيعي أن لصعوبات النطق أو لفظ الأحرف بالشكل الطبيعي عدة أسباب جسدية ونفسية، وأنا أرجح عدم وجود مشكلة عضوية لديك تفسر صعوبة التلفظ ببعض الأحرف، كالتأتأة مثلا، أو صعوبة تلفظ حرف بعينه؛ مما يؤخر خروج الكلمات منك.

وللتعود على نطق الأحرف بالشكل السليم فعلينا -أولا- أن نكون قد تعلمنا نطق هذه الأحرف بالشكل المناسب، وهنا يأتي دور التدريب والاعتياد من خلال التكرار. وقد يفيد في هذا محاولة التلفظ بهذه الأحرف بصوت مرتفع وأنت بمفردك في غرفتك أو أمام البحر، بحيث لا يسمعك أحد.

ومما يعين كذلك حفظ ما تستطيع من القرآن الكريم، وتعلم أحكام التلاوة، فالتلاوة الصحيحة لكتاب الله يعني إخراج الأحرف من مخارجها الطبيعية والصحيحة، ويمكن أن يعينك على هذا أحد الأئمة في المسجد القريب من مكان سكنك في أمريكا.

وكذلك يفيدك حفظ الشعر، والأمثال القديمة؛ فمثل هذه الأبيات الشعرية والجمل والعبارات ستحسّن عندك النطق أولا، وثانيا ستعينك على إخفاء صعوبات نطق بعض الحروف من خلال التلفظ بهذه الأبيات والأمثال اللغوية؛ لأن هذا سيعطيك جملا مفيدة تتكلم بها في بعض المواقف الاجتماعية.

وفي الحالات الصعبة جدا لمشكلات النطق فإننا ننصح عادة بمراجعة أخصائي النطق (speech therapist)، حيث هناك بعض الطرق والمهارات في علاج وتعلم النطق السليم.

وقد تكون صعوبة النطق ببعض الحروف عندك مرتبطة ببعض الخجل الاجتماعي أمام الآخرين والذي وصفته بشكل جيد في سؤالك، وخاصة عندما يسألك المعلم أن تتحدث أمام الطلاب.

والرهاب الاجتماعي عبارة عن حالة قد تبدأ فجأة أو عبر سنوات، وأحيانا من دون مقدمات أو مؤشرات، حيث يشعر الشخص بالحرج والارتباك في بعض الأوساط الاجتماعية، وخاصة أمام الجمع من الناس، وفي بعض المناسبات كالحديث مع المعلمين وكما يحدث معك، وقد يشعر الشخص باحمرار الوجه، وتسرع ضربات القلب، بينما نجد هذا الشخص نفسه يتكلم بشكل طبيعي ومريح عندما يكون في صحبة شخصين أو ثلاثة فقط، أو يتحدث مع المعلم على انفراد.

وقد يترافق هذا الخوف أو الارتباك ببعض الأعراض العضوية كالتعرق، والإحساس وكأنه سيغمى عليه، أو أن الناس ينظرون إليه، وقد يحاول الشخص بالإسراع للخروج من المكان الذي هو فيه من أجل أن يتنفس لأنه قد يشعر بضيق التنفس، وكأنه سيختنق، ومجموعة هذه الأعراض قد نسميها نوبة الذعر أو الهلع، وقد يوجد الرهاب الاجتماعي مع أو من دون نوبات الهلع.

وفي معظم الحالات ينمو الشخص ويتجاوز هذه الحالة، وخاصة عندما يتفهم طبيعة هذه الحالة، بحيث لا يعود في حيرة من أمره، وهو لا يدري ما يجري معه؛ فهذا الفهم والإدراك لما يجري، وأنه حالة من الرهاب الاجتماعي، ربما هي الخطوة الأولى في العلاج والشفاء.

وأكثر ما استغربته في سؤالك موقف المعلم من صعوبة النطق عندك، حيث يطردك من الصف، ويستهزئ بك، وكذلك تركه للطلاب يضحكون ويسخرون منك، وهذا -بصراحة- تصرف غريب من معلم، والمفروض أن يحسن التصرف التربوي المناسب، وأنصحك أن تطلب الحديث المنفرد مع المعلم، واشرح له وضعك، وتطلب منه المساعدة.

ومن طرفك قد يفيدك التفكير الإيجابي بالصفات والإمكانات الحسنة الموجودة عندك، كذلك أن تحاول ألا تتجنب الأماكن الخاصة التي تشعر فيها بهذا الارتباك كالحديث مع المعلمين والطلاب، لأن هذا التجنب قد يزيد الأعراض ولا ينقصها، والنصيحة الأفضل أن تقتحم مثل هذه التجمعات المجتمعية، ورويدا رويدا ستلاحظ أنك بدأت بالتأقلم والتكيّف مع هذه الظروف الاجتماعية.

وإذا استمرت الحالة أكثر ولم تستطع السيطرة عليها؛ فيمكنك مراجعة الطبيب النفسي الذي يمكن بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي، والذي يقوم على ما سبق ذكره، يمكن أن يصف لك أحد الأدوية التي يمكن أن تخفف وتعين، وإن كان العلاج الأساسي يقوم على العلاج السلوكي المعرفي.

وإن كنت أشعر بأنك ستقوم بتجاوز هذا من نفسك، وخاصة أنك استطعت السيطرة على هذه المشكلة في بعض جوانب حياتك الأخرى.

وفقك الله، وأطلق لسانك بالشكل الذي تتمنى.


via موقع الاستشارات - إسلام ويب http://ift.tt/1PlvDMm

تعليقات