مرض أبي وموته سبب لي العزلة عن الناس.

السؤال:

السلام عليكم.



أحب أشكركم جدا على هذا العمل الرائع والصالح للأمة، جزاكم الله عنا كل خير.

الصراحة أنا متضايقة كثيراً من نفسي، وكنت أريد أن أعلم لماذا وصلت لهذا الجمود؟! أنا فتاة تعلقت بأبي جداً وارتبطت به، وكان بالنسبة لي كل شيء في حياتي، كان مرض أبي المستمر بالنسبة لي عبارة عن حلم يطاردني، كنت دائما أفيق من النوم، أبكي بهستريا؛ لأني أحلم أن أبي مات، كنت أعيش لأني أريد أن أشبع منه؛ لأني كنت أعلم أن كثرة تعبه ستتسبب له بالموت.



عندما كان يطاردني الحلم كان أبي يضحك ويقول لي: أن الموت بالحلم خير، وهذا معناه أن أبي سوف يعيش كثيراً، ووصل الحال أني كنت أدعو على نفسي بالموت لكي لا أعيش لحظة موت والدي.



بعد فترة أفقت الفجر على بكاء ونحيب خفيف، ولما وقفت بجانب أمي وقلت لها: أبي مات، لم تجب علي وكانت متماسكة وتذكر الله، لما ظهر الصبح ورأيت الناس والصريخ والعويل عرفت أن أبي مات، لكن لم أبكِ، كنت أدمع وأضحك لأني كنت أشعر أن الكل مغفل، وأن أبي سوف يبقى حياً وهم لا يعلمون شيئاً، حتى بعد أسبوع من وفاته، ذهبت عند قبره مع أسرتي وضحكت! وكنت أتعجب لضحكي وأحاول أسيطر عليه أمام الناس، وكان عندي هواجس أن أبي سوف يعود للحياة، كان عندي 12سنة، كان أبي إنسانا روحانيا، وجعلني أرتبط بحب الله والرسول والتاريخ الإسلامي، بعد وفاته ابتعدت عن الله كثيراً، وابتعدت عن أسرتي، وأصبحت أشعر أن الكل يكرهني وكنت أشعر بغربة وسطهم.



أضل جالسة بغرفتي مما أثر على دراستي، وعلى روحي المرحة التي تحولت لحزن وانطواء بدون سبب، عندما أتألم من التعب أبتسم، وعندما أسمع خبرا سيئا أضحك، وإذا مات شخص لا أخاف، ولا أحزن على أي شخص، أصبحت الناس بالنسبة لي مجرد روتين، أصبحت أريد أن أهرب للتعبير عن النفسي بكتابات وقصائد، ولا أريد التحدث كثيراً، ابتعدت عن الله جداً، أحيانا أريد أن أبكِ لأني اشتقت إلى الله ولكن أشعر أن بداخلي ميت، حاسة أني بحاجة للبكاء، الآن أنا عمري 20سنة، وعندي جمود وهروب من الواقع، ولا يوجد أحد بحياتي مفضل أو مميز.



انخطبت .. فقلت ربما أجد في الشخص هذا حاجة تجعلني أحب الدنيا، لكن أشعر أني أتهرب منه، ولا أريد أن أحبه وكأني أريد أن أثبت للجميع أنهم ولا شيء بالنسبة لي، وأني أستطيع أعيش من غيرهم، وأن لا يؤلمني وجع أو زعل أحد بعده، أنا لا أعلم لماذا أنا هكذا، وأجلس مع نفسي كثيراً؛ لأني أريد أن أتغير، لكن أحاول وغير قادرة.



أنا وددت أن أتكلم وأقول كل الأشياء التي أشعر بها؛ لأني محتاجة التغير؛ لأني أشعر أني غير حية ولا ميتة، آسفة جدا على الإطالة.



جزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضلة/ 00000 حفظها الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



نسأل -الله تعالى- لوالدك الرحمة ولجميع أموات المسلمين، تعلقك بوالدك كان تعلق شديد ،كما تفضلت وذكرتِ، ونسبة لصغر سنك في ذاك الوقت واختلاط الواقع والخيال والآمال والحقائق مع بعضها البعض جعلك تتصرفين على النحو الذي ذكرته، وهو عدم التصديق بوفاة والدك؛ وما نتج عن ذلك من تفاعلات نفسية معاكسة في شكل ضحك حين كان الموقف يتطلب البكاء، هذه الظاهرة معروفة، ويفسرها علماء النفس والسلوك أنها نوع من النكران، والنكران دفاع نفسي معروف، لكن حين يكون في أوجه وعلى درجاته قد يكون مضراً، ولذا نحن نطالب الناس بأن يكونوا معقولين في مشاعرهم، حتى وإن أحسوا بشيء من النكران يجب أن يوظف ذلك بصورة إيجابية، بمعنى أن يحاول الإنسان أن يواجه الواقع، ويواجه الحقائق بقوة وشجاعة، عموماً هذه التجربة التي مررت بها لا أقول أنها سهلة لكنها ليست مصيبة والإنسان يستفيد من تجاربه، والماضي قد مضى وذهب، والمهم هو الحاضر والمستقبل، يجب أن تدركي ذاتكِ بصورة أفضل.



يجب أن تكوني إيجابية، يجب أن تكوني واقعية، اسعِ لإكمال الزواج؛ لأن في ذلك استقرار كبير جداً بالنسبة لك، أحسني إدارة وقتك، وعليك بالصلاة في وقتها، والدعاء، والاستغفار، واجعلي لحياتك معنى بأن تكوني نافعة لنفسك ولغيرك، هذا مهم جداً، التطوير المعرفي أيضاً من خلال الاطلاع المفيد، وإن لم تكوني في مرحلة دراسية فأعتقد أنه من المهم جداً أن تواصلي تعليمك، حتى وإن كان من خلال الالتحاق ببعض الكورسات أو الدبلومات هذا مهم جداً.



أنا أيضاً أرى أن تناول دواء بسيط جداً مزيل للقلق ربما يفيدك، وعقار موتيفال متوفر في مصر، وهو من الأدوية البسيطة وزهيدة الثمن، لكنه يفيد في مثل هذه الحالات يمكنك أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة شهرين ثم توقفي عن تناوله، نظمي وقتك بصورة إيجابية، احرصي على النوم المبكر، الصلاة في وقتها، تجنبي النوم النهاري، مارسي أي نوع من التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة، وكوني دائماً ناظرة إلى الأمام ومتفائلة، من خلال تواصلك وتعرفك على الصالحات من النساء والشابات، يمكنك أن تعبري عن مشاعرك ووجدانك، وهذا قطعاً فيه نوع من التفريغ النفسي، كما أن والدتك لا شك أنها ستكون خير سند لك في هذا الخصوص.



بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.





via موقع الاستشارات - إسلام ويب http://ift.tt/1stXEG7

تعليقات