أشعر بأني غير موفقة في دنياي مع أخذي للأسباب!!

السؤال:

السﻻم عليكم



أنا فتاة في بداية العشرين، أقيم في أوربا منذ أربع سنوات، مشكلتي هي عدم التوفيق، وقلة الحظ في أمور الدنيا، فما سعيت بأمر كدراسة، أو زواج، أو سفر إﻻ وفارقني به التوفيق، برغم كثرة دعائي، وطلبي وأخذي بالأسباب، أنا أيضا محافظة على صلواتي الخمس، وكثيرة اللجوء إلى الله في السراء والضراء، وكثيرة الحمد والشكر لأقدار الله، لكن الأمور بدأت تزداد سوءًا، أشعر بأن لذلك أسبابا مجهولة بالنسبة لي، وﻻ أعلمها، فأموري دائما تخلو من توفيق العزيز الجليل.



هل هناك أسباب معينة تؤدي لقلة التوفيق من الله، أو عدم استجابته الدعاء؟ ولو كانت الأقدار مكتوبة ومحتمة وﻻ يغيرها أمر فما مدى تأثير دعاء العبد ليتحقق ما يطلب من الله سبحانه وتعالى؟ وهو القائل في كتابه الطاهر: {ادعوني أستجب لكم}.



أرجو منكم مساعدتي بمعرفتكم، مع الشكر الجزيل.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضلة/ Rawaa baghdad حفظها الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يوفقك، وأن يسددك، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.



وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الله قدَّر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) فلقد قدَّر مولاك سبحانه وتعالى كل شيء قبل خلق أي شيء، ولذلك قال سبحانه في القرآن الكريم: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وقال أيضًا: {وخلق كل شيء فقدره تقديرًا} فكل شيء مقدر لله تبارك وتعالى قبل خلق أي مخلوق، ومن ذلك الأرزاق، والصحة، والطول، والعرض، والأزواج، والأولاد، والتعليم، والأعمار، والآجال، وغير ذلك، فكل شيء مقدر من قبل الله تبارك وتعالى، وشاء الله تبارك وتعالى أن يخصَّ بعض عباده في هذه الحياة بقدر زائد من الابتلاء والامتحان والاختبار.



فهناك من يُبتلى في بدنه بالأمراض والعلل والأسقام، وهناك من يُبتلى في زوجه بعدم التوفيق وعدم الاستقرار، وهناك من يُبتلى في ذريته بعدم الإنجاب أصلاً، أو يُبتلى بذرية غير مستقيمة أو مريضة أو غير ذلك، وهناك من يُبتلى في شكله بالدمامة (مثلاً) وهناك من يُبتلى في شكله بالقِصر أو غير ذلك، وهناك وهناك وهناك، هذه كلها التي نراها في واقع الحياة كلها أقدار الله تبارك وتعالى، فالذي جعل الغني غنيًا هو الله، والذي جعل الفقير فقيرًا هو الله، والذي جعل القوي قويًّا هو الله، والذي جعل الضعيف ضعيفًا هو الله، والذي جعل الموفق موفقًا ومسددًا هو الله تبارك وتعالى جل جلاله.



ومن حكمة الله تبارك وتعالى البالغة أنه جعل عباده الصالحين أصحاب قدر من الابتلاء والامتحان والاختبار، وهذا ما عبّر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (يُبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوي إيمانه اشتدَّ بلاؤه، ومن ضعف إيمانه قلَّ بلاؤه) وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من يُرد الله به خيرًا يُصِبْ منه).



هذه النصوص تدل على أن أهل الإيمان لهم حظ وافر أو أكثر من غيرهم من الابتلاءات والامتحانات والاختبارات، وهذا مما لا شك فيه لحكمة بالغة، فإن الله تبارك وتعالى ما خلق الأشياء عبثًا ولا قدَّر شيئًا سُدى أو لهوًا أو لعبًا، وإنما شاء الله تبارك وتعالى أن يبتلي العبد المؤمن ليحُطَّ من خطاياه وليرفع من درجاته، وليجعله في الدار الدائمة الخالدة أسعد الناس حظًّا وأرفع الناس منزلة، ولذلك ورد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه – أنه قال: (لو يعلم أهل البلاء ما أعد الله لهم من الأجر والمثوبة لتمنوا أنهم ما رأوا العافية في يوم واحد من أيام حياتهم) أو كما قال رضي الله تعالى عنه.



فأهل البلاء عندما يرون الأجر العظيم الذي أعده الله لهم في الآخرة يتمنون أنهم ظلوا أعمارهم كلها في الابتلاء والامتحان والاختبار ولم يروا صحة أو عافية أو أمنًا أو أمانًا في يوم من الأيام.



فعليك أن تعلمي ذلك - ابنتي الكريمة الفاضلة - وأن تعلمي أن هذا من محبة الله تبارك وتعالى لعبده، إلا أن ذلك لا يمنع الإنسان من الأخذ بالأسباب، فإن الأخذ بالأسباب جزء من الشريعة، وهي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلاة ربي وسلامه عليه - كان أعظم الناس أخذًا بالأسباب، رغم أنه سيد المتوكلين على الله تعالى، وسيد الواثقين بموعود الله تعالى، إلا أنه أخذ بالأسباب إلى أبعد حد، وأمرنا بذلك وعلمنا ذلك وحثنا عليه.



ومن الأسباب الدعاء، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الله لا يملّ حتى تملّي، فأكثري من الدعاء ولا تتوقفي، وهو سبب من أسباب تغيير القضاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، وواصلي على ما أنت عليه من الخير والطاعة والعبادة، ولا تتراجعي، ولا تقصّري، ولا تتكاسلي، ولا تقولي بأني قد دعوت وقد دعوت، أو أني مستقيمة ولكن الله لم يقدر لي التوفيق، أقول: هذا كله من مداخل الشيطان.



واصلي ما أنت عليه من الخير، لأنك على خير، وعباداتك ستنفعك - بإذن الله تعالى - في الدنيا والآخرة، واعلمي أن البلاء مهما اشتد فسوف يأتي يومًا يزول، وأيوب عليه السلام كان نبيًّا من أنبياء الله - كما تعلمين - ظلَّ مريضًا عدة سنوات، ثم جاءه الفرج من الله تبارك وتعالى بأمر بسيط جدًّا، حيث قال له مولانا: {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب} فعليك بمواصلة الدعاء، مع مواصلة الطاعة والعبادة والشكر والحمد وغير ذلك من الأعمال الطيبة التي تقومين بها، واعلمي أن فرج الله قريب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا).



عليك بالصبر واحتساب الأجر والدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى، وأسأل الله أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، إنه جواد كريم.



هذا وبالله التوفيق.





via موقع الاستشارات - إسلام ويب http://www.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=2193402

تعليقات